تاريخ الديوانة التونسية

لمـحة تـاريخيـــة

الموقع الجغرافي المتميّز لتونس في مفترق المتوسط جعل العديد من الحضارات تتعاقب عليها طيلة فترة ما قبل التاريخ فقد حكمها البربر والقرطاجنيون ثم الرومان ،وبعد غزو القبائل الجرمانية والبيزنطيين، جاء دور العرب ليستقروا فيها نهائيا وليؤسسوا حوالي سنة 670 مديـنة القيروان، وتصبح البلاد التونسية ولاية تابعة للخلافة الإسلامـية وتعاقبت عليها الولايات  الأغالبة، الفاطميون، الصنهاجيون، الحفصيون والعثمانيون ثم تأسست الدولة الحسينية في سنة 1705 سلطة قائمة بذاتها ودعمت استقلالها تجاه الإمبراطورية العثمانية في القسطنطينية.

وقد دأب البايات على اعتماد وتنفيذ إصلاحات تحررية خاصة في الميدان القانوني والجبائي،إلا أن التدخل الفرنسي في 12 ماي 1881 ركز الحماية التي استمرت إلى استقلال تونس في 20 مارس 1956. وقد تميزت الإدارة المركزية في تلك الفترة بتواجد عدد محدود من المهام مما استوجب تنظيم المالية العمومية التونسية وفي هذا الصدد تم وبكل دقة وضع ميزانية تعتمد على المداخيل والمصاريف. كما تم إحداث إدارة المالية في أواخر القرن التاسع عشر. وقد كانت تشتمل آنذاك على:

  • إدارة مركزية
  • وكالات مالية
  • مصالح مالية خارجية

وكانت مصلحة الديوانة تمثل جزءا من الوكالات المالية، ونظم الأمر العلي المؤرخ في 3 أكتوبر 1884 والمتعلق بالديوانة وإختصاصات الدولة، تداول وإنتقال ورق الدخان، وكانت مداخيل الديوانة متأتية جميعها من معلوم ديواني يقدر بـ: 3 في المائة حسب القيمة التي كانت تخضع لها البضائع الموردة والمنتجات المصدرة، وقد كان دور الديوانة ينحصر في استخلاص المعاليم على المنتجات الموردة، بينما كانت البضائع المصدرة خارج الإيالة خاضعة لأداءات مباعة من قبل الباي في شكل رخص تصدير أو ” تسكرة ” وكانت أملاك الدولة مؤجرة ” لأصحاب لزمة ” أو ” وكلاء “.

أما بيت المال مصدر نشأة الخزينة العامة فقد كان تحت حكم العثمانيين، وهو مؤسسة تتصرف في الأملاك التي لا وارث لها أو بقايا المال الراجعة للدولة. وكان هذا الميدان يعتبر من إختصاصات الدولة المطلقة ويمكن أن نلاحظ أن عدد اختصاصات الدولة ما فتئ في تزايد، رغم أن آخر اتفاقية مبرمة بين فرنسا والباي والتي يعود تاريخها إلى 8 أوت 1830، قد وضعت حدا لاختصاص الدولة في الزيت ومنعت بصفة عامة كل أنواع الاختصاصات.إلا أنه أمام إعادة إحداث بل وخلق لزمات جديدة، أيقن قناصل فرنسا أن هذه الإجراءات لا تشمل الميادين التي تهم التجار الأوروبيين. غير أنه في مجال الجباية الفلاحية وطبقا للتقليد الجاري به العمل، ظل كل فرع من فروع المداخيل الفلاحية خاضعا لأداء خاص.

أولى الإصلاحات الجذرية التي أنجزها نظام الحماية شملت الأداءات غير المباشرة، حيث تم تعويض المعاليم المختلفة والمعقدة والتي كانت تفرض تحت إسم ” محصولات ” وتفرض على التصنيع وتوزيع عديد المنتوجات وعرضها في السوق وكذلك بيعها بمعاليم تمنح عند الدخول للمدن.

وقد استمر العمل بهذه المعاليم إلى تاريخ 1 جويلية 1920 حيث تم تعويضها بضرائب جديدة غير مباشرة تقترب جدا من المعاليم المماثلة الموجودة في فرنسا ( كمعاليم على الكحول، وعلى السكر، وعلى القهوة، وعلى التوابل إلخ…) زيادة على ذلك، فقد إمتد التشريع الفرنسي المتعلق بالأداءات على الطابع الجبائي والتسجيل والتركات والمعاليم الديوانية، بصفة تدريجية وتصاعدية إلى الإيالة.

نظـام الإستخـلاص

تم تركيز إصلاح نظام الاستخلاص بمقتضى الأمر العلي المؤرخ في 13 جويلية 1899 (الموافق لـ5 ربيع الأول 1317).

وقد إستأنس النظام الجديد بالقواعد المعمول بها حتى ذاك التاريخ مع توضيحها وتصحيحها حتى تستجيب للهيكلة القانونية والإدارية الجديدة التي تم تركيزها من قبل سلط الحماية.

إلا أنه إستمد من القواعد السابقة الإبقاء مثلا على سلطة إستعمال الغصب البدني لإستخلاص ديون الخزينة وذلك لمدة أقصاها 15 يوما، وقد كانت هذه السلطة مخولة للقيادة بمقتضى الأمر العلى المؤرخ في 10 جانفي 1885.

غير أن المذكرة العامة الصادرة عن إدارة المالية بتاريخ 20 ديسمبر 1889، وضحت أنه يجب على القادة عند ممارستهم لهذه السلطة أن لا يعتمدوا أي أسلوب جائر. وقد أعطت هذه المذكرة عدة توضيحات هامة حول أسباب الإبقاء على هذا الـنفوذ مـن قبل سلطات الحماية فقـد نصت على أن (الحبس يبدو أساسيا كوسيلة الفرصة الأخيرة). وبحصول تونس على إستقلالها في 20 مارس 1956، تمت تونسة الديوانة رسميا يوم 6 ديسمبر من نفس السنة.

وقد كان على الإدارة الديوانية التونسية التي ورثت عن عهد الحماية النصوص الترتيبية ومجلة الديوانة الصادرة بمقتضى الأمر العلى المؤرخ في 29 ديسمبر 1955، أن تتأقلم مع المعطيات الاقتصادية والجبائية الجديدة للبلاد التونسية.

فقد تم إلغاء الإتحاد الديواني مع فرنسا وكذلك الإتحاد النقدي (منطقة الفرنك) وتوجب على البلاد التونسية مراجعة النصوص الموجودة وإحداث إجراءات جديدة من شأنها أن تستجيب لحاجيات الاقتصاد وخاصة منها حاجيات الصناعة الحديثة العهد.

إتفاقية الإتحاد الديواني الفرنسي التونسي

قبل بضعة أشهر من الاستقلال، أبرمت تونس وفرنسا إتفاقية إقتصادية ومالية في 1955/06/03 تتعلق بالإتحاد الديواني وتمت المصادقة على بروتوكول هذه الإتفاقية بالأمر العلى المؤرخ في 1955/12/29. وقد ضبط هذا البروتوكول طرق تطبيق الإتفاقية بين البلدين.

وهكذا فأن المبادلات التجارية بين تونس وفرنسا تتم في إطار إتحاد ديواني يستجيب في بعض النقاط لخصوصيات الوضعية الإقتصادية بكل بلد. وفي هذه الأثناء صدرت مجلة الديوانة بمقتضى الأمر العلي الصادر بتاريخ 1955/12/29 تطبيقا لمبدأ توحيد التشريعات والتراتيب المعمول بها سواء كان ذلك في تونس أو في فرنسا.

وقد لوحظ ان المجلتين الديوانيتين للبلدين تتشابهان إلى حد بعيد إلا فيما يتعلق بالوضعية الخاصة للبلاد التونسية، لا سيما المتعلقة بالهيكلة الإدارية والعدلية. وقد إمتدت هذه الوضعية إلى سنة 1959. وخلال الستينات، إعتمدت البلاد التونسية ذات الصناعة الفتية، معاليم ديوانية حمائية حيث كانت نسبها أحيانا مفرطة.

ويعتمد نظام التجارة الخارجية المهيمن في تلك الفترة بالأساس على التحجيرات ونظام الحصص للبضائع الموردة.

إتفاقية مع المجموعة الأروبية

في سنة 1969 تم إبرام إتفاق تجاري بين تونس والمجموعة الإقتصادية الأوروبية، تتمتع بموجبه البضائع التونسية المصدرة إلى بلدان هذه المجموعة بإمتيازات جبائية عند دخولها إلى تلك البلدان. وقد تم تعويض هذا الإتفاق سنة 1976 بإتفاق جديد أكثر جدوى وفائدة بالنسبة لتونس وكان إتفاقا متعدد الجوانب: تجاري، إقتصادي وإجتماعي.

هذا وبعد أن قطعت تونس أشواطا على درب الإصلاحات الهيكلية، تمكنت من أن ترسخ عضويتها سنة 1990 في الإتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة وتساهم في مفاوضات جولة الأوروغواي التي أفضت إلى قيام المنظمة العالمية للتجارة منذ غرة جانفي 1995 وان تتمتع بكافة الحقوق وتلتزم بكل الواجبات المتمثلة في تحرير التجارة الخارجية وقواعد السلوك في التجارة الدولية.

وتماشيا مع هذه النظرة المستقبلية المتكاملة، شرعت منذ 1994 في مفاوضات مع المجموعة الاوروبية الشريك الإقتصادي الأول لها، أفضت إلى إبرام إتفاق شراكة سنة 1995 يهدف إلى إرساء نمط جديد للتعاون يقوم على مبدأ المعاملة بالمثل والشراكة وليعوض إتفاقيات التعاون سالفة الذكر.

وينص هذا الإتفاق على تحرير المبادلات التجارية والتخفيض التدريجي للمعاليم الديوانية والضرائب ذات الأثر المماثل خلال مرحلة إنتقالية أقصاها 12 عاما.

وإعتبارا للطابع الشمولي للعولمة والحركية التي شهدتها التكتلات الإقتصادية الإقليمية من جهة، ولضرورة النهوض بالعمل الإقتصادي العربي المشترك وتحقيق التكامل الإقتصادي العربي والإستفادة من معطياته بعد جولة الأوروغواي من جهة أخرى، أقرت القمة العربية المنعقدة بالقاهرة في جوان 1996 إتخاذ الإجراءات العملية لإقامة منطقة تجارة حرّة عربية كبرى وبرنامجا تنفيذيا لتفعيل إتفاقية تسيير وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية بصفة تدريجية وذلك خلال مدة أقصاها عشر سنوات. بما مكن من إرساء هذه المنطقة بالكامل بداية من سنة 2005.

كما أبرمت تونس اتفاقيات ثنائية تفاضلية أغلبها مع البلدان العربية والإفريقية تنص على منح إمتيازات وتسهيلات مختلفة.

ومواصلة لمسيرة التفتح على العالم الخارجي والإنصهار في الإقتصاد العالمي إستكملت المفاوضات مع الرابطة الأوروبية للتبادل الحر AELE وتركيا مساهمة في بناء الفضاء الأورومتوسطي الذي إتضحت معالمه خلال ندوة برشلونة المنعقدة في نوفمبر 1995 التي أقرت مبدأ إرساء منطقة للتبادل الحر في غضون سنة 2010 تضم قرابة الأربعين دولة من أوروبا وشرق المتوسط وجنوبه.

واصبحت الديوانة حينئذ إحدى الآليات الأساسية لتحقيق هذه الأهداف. وبفضل عدة تحولات عميقة اجريت خلال الفترة الماضية ، سجلت الديوانة التونسية مكاسب هامة ومشهودة ساهمت في تحسين ظروف المبادلات التجارية بين تونس والبلدان المتعاملة معها وتبسيط الإجراءات، من ذلك تشجيع المستثمرين الأجانب وكذلك التونسيين لبعث وتوسيع المشاريع الصناعية، والفلاحية والخدماتية.

وساهمت إعادة هيكلة إدارة الديوانة في تسهيل عملية الإندماج التدريجي لتونس في الإقتصاد العالمي، وكذلك الشأن بالنسبة لتأهيل الإطارات الإدارية عبر التكوين بالمدرسة الوطنية للديوانة وبمراكز التكوين المستمر.

ويشمل برنامج تأهيل مختلف مكونات التجارة الخارجية والتي تعتبر الديوانة جزءا منصهرا فيها بالأساس، تقوية طاقة المنظومة الإعلامية ” سند ” وتدعيم برنامج التكوين للاعوان وتشجيع الصادرات.

تاريخ الجمارك التونسية بدأ مع تاريخ الحضارات التي تعاقبت على البلاد التونسية